لا ضير أن نرى موقعنا ومكاننا في هذه الحياة ، ولا غرابة الإعتراف أننا نقف في آخر الطابور بين الأمم وأن تشريعات «حمورابي» باتت أكثر حداثة من التشريعات والقوانين السائدة في معظم الدول التي خرجنا ونخرج منها يومياً بكل الوسائل المتاحة براً وبحراً وجواً وزحفاً .
قدمت أمتنا للعالم أول حروف الأبجدية وباتت اليوم أكثر المجتمعات أمية وكرهاً للقراءة . كما قدمت للعالم أول محاولة بشرية للطيران عبر عباس ابن فرناس ، لكن بلادنا حاليا هي التي طارت . ثلاثة أديان كانت بلادنا «المختارة» مهداً لها فعملنا على تحويلها إلى ثلاثة آلاف مذهب وقبيلة وفخذ وعشيرة .
تحولت أحلام جيل بكامله من حجز مقعد في السماء إلى حجز مقعد على مركب متهالك يبحر فينا إلى بلاد «كافرة» «سافرة» تقود فيها المرأة بلد بأكمله وليس السيارة فحسب ، ولها من الحقوق ما يوازي حقوق اتحاداتنا النسائية بكامل حريمها ومنتسبيها .
بلادهم تنعم بالسلام والإزدهار وبلادنا دار حرب ودسائس وقتال وهجرة . نهرب من أوطاننا طمعا بإقامة أو جواز سفر في بلد غربي ، لكن ما نفع هذه الإقامة إذا كان الجهل يقيم في رؤوسنا إقامة دائمة ؟!
لم نحصد في تاريخنا سوى اليباس والخراب ، والمفارقة أنه عندما نهاجر إلى تلك البلدان نريد أن نغيّر قوانينهم وطريقة عيشهم ولباسهم ونظام حكمهم لتتلاءم مع طريقة عيشنا التي هربنا منها ! وعندما يسأل أحدهم ماذا قدمتم للبشرية والحضارة خلال العقود الماضية ؟ نجيب كما اعتدنا وبطريقة «الرجم» بالكلام : قمنا مؤخراً بتنظيم مهرجانيين خلال شهر واحد في مدينة تورنتو بكندا : مهرجان للشاروما والفلافل وآخر للمناسف ..ماذا تريدون أكثر من هكذا إضافة للحضارة ؟ّ حقا إنه غرب جاحد!! .
لست مفتونا بالغرب وأحب بلادي إلى درجة العبادة ، لكن يقيني هو أن الحفرة التي نحن فيها الآن تتطلب أن نبدأ بصناعة سلّم لنخرج منها لا أن نواظب على الحفر في نفس الحفرة وبكل قوانا. فإذا كنا نصطفّ في آخر الطابور والجميع أمامنا ، كيف يحق لنا أن «نهدي» ونطالب بتغيير من هم أمامنا ويسبقوننا تطوّراً بسنوات ضوئية ؟ انظر إلى الخلف لن ترى أحداً إلاك وأبناء جلدتك وأمتك . أليس هذا كافياً لترى حجمك بين شعوب الأرض وتكفّ عن إعطاء دروس النصح والتغيير والهداية لغيرك؟.
كم هو مخجل إلى حد الوجع أن ترى أن أكثر الناس متابعة على وسائل التواصل الإجتماعي في عالمنا العربي هم رجال الدين وهيفا وهبي ومن هم على شاكلتها ؟ وكم هو محزن إلى حدّ البكاء أن العلماء والمبدعين في أوطاننا لا يزالوان يتصدّرون قائمة البحث والمتابعة من الأمن وحده !.
الأمم الحيّة تتطلّع لدخول المستقبل بكل ما أوتيت من بحث وعلم وفن وثقافة وتحتفي بعلمائها ومبدعيها ، وليس بلحاها و «مناسفها» وكروشها . والأهم من ذلك لا يسألون أنفسهم كما نحن نفعل منذ دهور : كيف سندخل إلى المستقبل أ بقدمنا اليمنى أم اليسرى ؟! ما هو مؤكد أن شعوباً بحالها تتابع هيفا وهبي وأخواتها ، هي شعوب رخوة ، سابت رُكبها ولن تستطيع الوقوف في وجه ذبابة وليس دخول المستقبل.
كميل نصراوي